مدونة هذا الأسبوع من مستشار GPG معتز غدار، الذي دعمنا في مشروعنا التمثيل السياسي للمرأة في لبنان. بعد أيام قليلة من الانتخابات النيابية في البلاد، قام بتحليل بعض النقاط الرئيسية التي تتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها، وما يعني ذلك بالنسبة للمرأة اللبنانية في السياسة.
في 15 أيار 2022، جرت الانتخابات النيابية اللبنانية، وسبقتها جولتان في دول الاغتراب يومي 6 و 8 أيار.
على الرغم من مجموعة التحديات التي رافقت العملية الانتخابية و التي شملت افتقار التمويل و المناقشات حول إنشاء مراكز ضخمة تتضمن 16دائرة انتخابية للناخبين في الخارج بالاضافة الى القرار الذي أعلنه رئيس الوزراء السابق سعد الحريري في 25 كانون الثاني بمقاطعة الانتخابات و هو الأمر الذي حصل بالفعل. فمن الجدير بالذكر إلى أن هذه الانتخابات كان ينظر إليها بشكل مختلف عن الانتخابات السابقة لأسباب عديدة:
أولاً، جرت الانتخابات النيابية في ظل تغيرات مهمة جرت خلال السنوات الأخيرة و كانت الأولى بعد انتفاضة تشرين 2020، والتي أدت إلى نهوض معارضة سياسية جديدة وتشكيل حزب «قوى التغيير» \ «الحركات المناهضة للسلطة».
ثانيًا، جرت الانتخابات في وقت كان فيه لبنان لا يزال يواجه ما اعتبره البنك الدولي واحدة من أسوأ الأزمات المالية التي شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر بمعدل تضخم بلغ 239.69% في كانون الثاني 2022، وفقًا لـ Trading Economics.
ثالثا، كانت الانتخابات الأولى بعد انفجار مرفأ بيروت المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمر عدة أحياء في العاصمة، و ادى الى خسارة مالية تقدر بـ 15 مليار دولار. على الرغم من أن هذه هي المرة الثانية التي يدلي فيها المغتربون اللبنانيون بأصواتهم خارج البلاد ، فقد كان لهم تأثير كبيرعلى النتائج حيث تضاعف عدد الناخبين المغتربين ثلاث مرات مقارنة بعام 2018.. وقد دعمت هذه الافتراضات حقيقة أن غالبية المغتربين المسجّلين للتصويت هم أشخاص أُجبروا على مغادرة البلاد بعد تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان بسبب ممارسات الأحزاب الحاكمة. من عام 2018 إلى عام 2021، غادر 195.433 مواطنًا لبنانيًا البلاد إما للسفر أو للاغتراب. كان من المتوقع أن يدلي غالبية الـ 225.277 الذين سجلوا للتصويت بأصواتهم ضد أحزاب السلطة. أكدت هذه النتائج الافتراضات السابقة حيث أدلى 142.041 ناخب بأصواتهم و وصلت نسبة المشاركة في التصويت الى 63% أي أعلى من نسبة إقبال الناخبين الذي لوحظ داخل البلد، – حيث تعين على المغتربين التسجيل فعليا للتصويت بينما تم تسجيل المقيمين تلقائيا- مما منح ثلث مجموع الأصوات المدلى بها ل”قوى التغيير”. وعلى عكس معظم اللبنانيين المقيمين، فإن غالبية المغتربين لا يستفيدون من خدمات المرشحين ولا يستهدفون من خلال شراء الأصوات ولا يعانون من الترهيب والضغط للتصويت بطريقة معينة – الأمر الذي تكرر في العديد من مراكز الاقتراع في لبنان في 15 أيار.
على الرغم من السياق المظلم للبلد و البيئة الغيرمؤكدة، كان هناك إقبال كبير على الترشيح. ارتفع العدد الإجمالي للناخبين المسجلين والمرشحين الرجال والنساء على حد سواء بالاضافة الى عدد القوائم الانتخابية مقارنة بالانتخابات البرلمانية لعام 2018. على الرغم من أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت أقل من النسبة التي سجلت عام 2018 بلغ عدد المرشحيين 718 مرشحًا بينما بلغ عدد اللوائح الانتخابية 103ما سجل ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالانتخابات النيابية الماضية عام 2018 حيث بلغ العدد حينها 77 لائحة فقط و597 مرشحًا .
ويمكن ملاحظة مؤشر جيد للتقدم المحرز في المشاركة السياسية للمرأة من خلال العدد الكبير من النساء المرشحات. شاركت 118 مرشحة في انتخابات عام 2022 مقارنة بـ 86 مرشحة في عام 2018. وبالرغم من ذلك لا يزال التمثيل البرلماني للمرأة منخفضا ولم تصل إلى البرلمان سوى 8 مرشحات من أصل 118، حيث بلغت نسبة النساء النائبات 6.25 في المئة (مقابل 4.6 في المئة في العام 2018. وهذه النتائج لن يكون لها تأثير كبير على ترتيب لبنان في التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين، حيث احتل المركز 132 في عام 2021.
منذ أواخر عام 2018، تمتع لبنان بموجة هائلة من المبادرات التي تهدف إلى تمكين المرأة في السياسة من قبل المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية. في حين أن هذه المبادرات أتت ثمارها مع زيادة عدد المرشحات في الانتخابات البرلمانية لعام 2022، إلا أنها كانت بالكاد ملحوظة عندما يتعلق الأمر بعدد النساء الفائزات. وبالتالي، فإن تمثيل المرأة يبلغ 6.25 في المائة فقط، وهي نسبة منخفضة للغاية، والأسباب الكامنة وراء ذلك هي كما يلي.
الانتخابات النيابية لعام 2022 لم تكن معركة سهلة أو عادلة حيث تم تسجيل أكثر من 3600 «انتهاك صارخ» (سجلتها الجمعية اللبنانية للانتخابات الديمقراطية) في يوم الانتخابات شملت أعمال عنف بالإضافة إلى القضية اللوجستية كما ولوحظت العديد من التوترات المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر كل من الناخبين وموظفي الاقتراع نقصًا في المعرفة بالقانون الانتخابي بشأن التمثيل النسبي والذي وُصف بأنه معقد وهي الدورة الثانية التي يعتمد تطبيقه فيها. كان هذا واضحًا في يوم الانتخابات، عندما كانت جهود التثقيف المدني للسلطات غير كافية لإعلام المواطنين بالانتخابات و اجراءات الاقتراع. وعلاوة على ذلك، كان بعض وكلاء ومندوبي المرشحين حاضرين بأعداد كبيرة لمراقبة الناخبين، وكثيرا ما أظهروا سلوكا متطرفا..
ولوحظت أيضا ثغرات تشريعية في الإطار القانوني، مع ضعف التدابير المتخذة لضمان تنظيم تمويل الحملات الانتخابية والمساواة في الاقتراع وحسن سير عمل اللجنة الإشرافية على الانتخابات وتحديد سن الاقتراع القانوني ب 21 عاما. على الرغم من أن الإطار القانوني القائم يشكل أساسا ملائما عموما لإجراء انتخابات ديمقراطية، إلا أن عددا كبيرا من الثغرات التشريعية في مختلف المجالات أدى إلى ضعف مراعاة التوصيات ال 25 الصادرة عن بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي في لبنان بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2018. وبالتالي، فإن الإطار القانوني غير الكافي وضعف الرقابة بما في ذلك آليات المعاقبة أتاحا انتشار ممارسات شراء الأصوات التي تؤثر على النتائج لأن الأحكام القانونية المعمول بها لتمويل الحملات الانتخابية لا تضمن الشفافية والمساءلة عموما..
وإلى العوامل المذكورة أعلاه، نحتاج إلى إضافة حقيقة أن معظم تلك المبادرات الهادفة إلى تمكين المرأة في المجال السياسي تركز حصرا على المرأة، مع مشاركة ضئيلة من الرجال. قال مايكل كيميل: «لا يمكننا تمكين النساء بشكل كامل دون مشاركة الرجال». يحتاج الرجال إلى إدراك أن المساواة بين الجنسين ليست لعبة محصلتها صفر، بل هي لعبة مربحة للطرفين. و بالنسبة لي لقد توصلت إلى هذا الإدراك من خلال عملي مع GPG.
كجزء من عملها الدولي والاستعداد للانتخابات البلدية لعام 2023، تعمل GPG حاليًا على اطار « الحلفاء الذكور والإناث» وهو جزء من مشروعها في لبنان «اربح مع النساء» و الذي يهدف إلى تمكين المرأة في السياسة على المستوى المحلي من خلال الجمع بين ائتلاف من كبار الحلفاء من الذكور والإناث للمساهمة في النقاش حول المشاركة السياسية للمرأة وتمثيلها على المستوى المحلي. يركز عمل GPG على تشجيع التحالف بين الرجال والنساء وعلى تنشيط دعم الحلفاء الرفيعي المستوى من الذكور والإناث في المؤسسات العامة والشبكات المحلية ووسائل الإعلام..
وأخيرا، أود أن أذكر أنه على الرغم من استمرار انخفاض تمثيل المرأة في البرلمان اللبناني، ما زلت أعتبر هذه الانتخابات إنجازا صوب تحقيق المساواة بين الجنسين في لبنان. التغيير هو أحد أصعب الأمور وأحيانًا الأكثر رعبًا في الحياة على المستويين الفردي والاجتماعي، وأعتقد أن أي خطوة يتم اتخاذها على طريق التغيير، بغض النظر عن حجمها، هي إنجاز.
في الانتخابات البرلمانية لعام 2022، لم أر فقط 8 فائزات، ولكن 118 امرأة شجاعة منتصرة .. إن الترشح للانتخابات وتحدي الأعراف الجندرية التي لا تزال قائمة في المجتمع اللبناني هو بحد ذاته قرار يتسم بالشجاعة الكافية. ان خوض الانتخابات والتنافس فيها مع وجود ثغرات تشريعية في القانون الانتخابي وعدة مخالفات هو نصر حقيقي!
ومن المفارقات أن الشيء الجيد في الظروف المضطربة التي تهز السياق اللبناني هو أنها البيئة الأنسب لنهضة القادة : “القادة يولدون في العواصف ولا يولدون في طقس لامع”.